كلمة الأستاذ
الدكتور علي يوعلا
أستاذ باحث
من جبلية الإنسان أن يسكنه شغف التطلع إلى فهم سبب وكيفية تكون المعرفة والنظر والفعل لدى أجداده ومعاصريه وأحفاده، ومن البداهة بمكان أن يأخذ هذا التكون مداه بمقتضى أحد هذين المنحيين: منحى التصور المبني على التوازن الذهبي بين صنفي الوجود المادي وغير المادي، ومنحى العدد اللاّ متناهي من التصورات التي تسقط فكرة هذا التوازن من حسابها، وحقيقة الأمر هي أن هذا التباين مرده إلى الإدراك الذي من خلاله ينظر إلى مصادر المعرفة:
- في المنحى الأول يتولد هذا الإدراك من القناعة التي مفادها أن للمعرفة مصدران : الوحي والعقل، إلا أن حمولة الإثنين ليست من نفس المستوى، بل إن حمولتهما مؤصلة على الترتيب حيث أن الوحي مهيمن على العقل ومقدم عليه، وكذلك نطاق ومدى تدخلهما ليس واحدا: من حيث النطاق: الوحي ينفرد بتوضيح الفهم الصحيح لحقائق عالم الغيب بينما عَجْزُ العقل على إدراك تلك الحقائق أمر مسلَّم بالبداهة، ومن حيث المدى : العقل مقيد بالاستنارة من هذا المرجع السماوي في تلمسه طرق إدراك خطاب الله للبشر وإدراك السنن الكونية المتحكمة في عالم الشهادة.
- وفي المنحى الثاني يتولد هذا الإدراك من القناعة التي مفادها أن للمعرفة مصدر وحيد ألا وهو العقل، ومن هذه القناعة ينبثق المؤشر المبدئي الذي تعتمده المذهبيات الوضعية في التمييز بين الخطاب العلمي والخطاب اللاّ علمي، وعندها أن الخطاب العلمي بحق هو الذي غايته إيقاع فهم أسرار كل العوالم على أساس البناء العقلي الصرف، وأن ما سواه من الخطابات فهي لا علمية، ويأخذ أنصار هذه النظرة أحد المسلكين: مسلك المنكرين لوجود عالم الغيب بالمرة وهم بذلك ينفون الحاجة إلى وجود الوحي من أصلها، ومسلك المنصبين العقل البشري أداة أولى باكتشاف أسرار عالمي الغيب والشهادة وبالتالي يحيلون الوحي إلى مرتبة المصدر الثانوي.
وطريقتنا في تناول الأمور تأخذ مجرى المنطق المنبثق من المنحى الأول، وعلى مقتضاه بتكيف النهج المتبع في انتاجنا العلمي الذي تَشَكَّل مساره طيلة عمر ممارستنا لمهنة الأستاذ الباحث، وهذا الاختيار إنما جاء كرد فعل على حشر التعليم الذي لُقِّن لجيلنا في زاوية الإنكار لوجود عالم الغيب، الشي الذي كان يثير لدينا عدم الرضى تُجاه انعدام صدقية هذه النظرة المختزلة للوجود الإنساني في بعده المادي فحسب، وبعد مغادرة الحياة الطلابية أصبح من اللازم الاعتماد على العصامية في تكوين نظرة أكثر واقعية لهذا الوجود وهي النظرة التي تعيد للإنسان بعدي كينونته غير القابلين للانفصال ألا وهما الروح والجسد، وهذا ما حتم على معظم كتاباتنا أن تحوم عاما بعد عام حول نقطة التوازن بين نوعي الحاجات التي يتطلبها كل منهما، ولم تكن الغاية المرجوة من ذلك سوى بناء منظومة اصطلاحية مختلفة عن الأطر المعهودة لدى الفكر المنكر للثنائية القطبية المكونة للوجود الإنساني، والجزء الأكبر من عطاءات هذا الاستكشاف ظل إلى يومنا هذا حبيس التخزين في انتظار أن تحين فرصة تقاسم الاطّلاع عليه مع الغير.
وفي هذه الأيام من أيام فبراير 2024 تولدت فكر الانتقال من الانتظار إلى فعل تقاسم تلك الأبحاث مع زوار مواقع الشبكة العنكبوتية، ولقد حدث هذا بمبادرة من منسقة المجموعة التي تكونت لأجل تصور وهيكلة الموقع: www.youala-research.com المعد لهذه الغرض، والمتوخى من إنشاء هذا الموقع أن يتيح لزواره، بأنواعهم المتباينة، الاطلاع على حزمة من الإسهامات العلمية تحت عناوين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي، والهدف من هذا العمل لا صلة له بأسباب الكسب المادي وإنما المرجو منه هو تحقيق الكسب غير المادي، أي أن حرية الدخول إلى مختلف أقسام الموقع إنما اعتمدت على سبيل العطاء الدائم أو بمعنى آخر على سبيل الصدقة الجارية.
وفي الختام نهيب بكم أنتم الضالعين في البحث على مضان العلوم أن تكتشفوا قائمة عناوين الصفحة الرئيسية لموقعنا، ونرحب بكم إلى الاطلاع على مختلف مضامين أقسامها باللغتين العربية والفرنسية، وهي المضامين التي نجعلها بكل فرح رهن إشارتكم، إنكم تجدون في موقعنا كل الترحاب، كما تجدون فيه تجاوبا مفيدا مع توقعاتكم: تبادل الأفكار إن كنتم خبراء، توسيع المرجعيات إن كنتم طلاب الدكتورة، تنوع القراءات إن كنتم طلبة، جديد الإضاءات على الوقائع إن كنتم مهنيين أو تدعيم الرصيد المعرفي إن كنتم من النخبة المثقفة.
ومن باب البديهيات أن نذكر هنا بأن حرية تناول تلك الأبحاث تكون مشروعة ما دامت الاستفادة منها تقتصر على تلبية الحاجات الشخصية، أما غير ذلك من الاستعمالات ـ التزييف، التقليد، الاستنساخ غير المشروع ـ فإنها من الممنوعات التي يجرمها القانون المنظم لحقوق المؤلف، والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سبيل الرشاد وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.